فصل: مسألة باع مدبرة من رجل فزوجها المشتري من عبده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة توفيت وتركت زوجها وأخاها ومدبرتها ولا مال لها غير المدبرة:

وسئل سحنون عن امرأة توفيت وتركت زوجها وأخاها ومدبرتها ولا مال لها غير المدبرة وتركت على زوجها مائة وخمسين دينارا ولا مال له وقيمة المدبر خمسون دينارا.
قال، يعتق من المدبرة ثلثها ويكون ثلثاها رقيقا للأخ والزوج، فيكون ثلثها للزوج، وثلثها للأخ، ويكون ثلث الزوج كأنه مال طرأ، فيصير ثلث الزوج للأخ. والمدبرة، فيعتق من المدبرة أيضا نصف الثلث، فيتم من المدبرة نصفها عتيقا، ويبقى نصف جميع رقبتها رقيقا للأخ.
قيل: فإن باع الأخ المدبرة ثم أفاد الزوج إلى زمان بعد ذلك مالا ترجع المدبرة على الزوج فيعتق منها ما بقي أم كيف يصنع؟ قال: نعم يرجع عليه فيعتق منها بقدر ذلك.
قيل وهكذا يرجع أبدا كلما أفاد حتى تستتم رقبتها؟ قال: نعم.
قيل له: فإن لم يبين الذي باعها أن لها دينا على الزوج إن أفاد يوما مالا، هل يكون عيبا يردها به؟ قال: لا.
قيل: فإن أفاد الزوج مالا فرجعت الأمة على الزوج فيعتق منها بقدر ما قضى للزوج من الدين، فقال المشتري: أنا أرد لأن النصف الذي اشتريت قد فسد علي؟ فقال: إذا كان الذي أعتق منها تافها يسيرا بعد ما اشتراها فليس له ردها، وإن كان كثيرا فله ذلك.
قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: إن الثلث الذي لا يعتق فيما طرأ للميت من مال إذا كان قد خرج من أيدي الورثة ببيع أو صدقة أو هبة، وأما قول سحنون: إنه إن كان الذي أعتق مما اشترى من المدبرة يسيرا فلا رد له، وإن كان كثيرا فله ذلك، فهو صحيح؛ لأنه إنما اشترى بعضها على أن باقيها حر، فقد دخل على ضرر العتق، فلا رد له فيما استحق بالعتق مما اشترى منها، إلا أن يكون جل ما اشترى منها وهو الذي أراد بقوله: وإن كان كثيرا والله أعلم لأن العروض إذا استحق على المشتري منها بعضها فليس له أن يرد ما بقي منها إلا أن يكون الذي استحق منها جلها، وقد تقدم هذا في رسم جاع من سماع عيسى، وبالله التوفيق.

.مسألة استأجر مدبرا سنة لخدمة بتسعة دنانيرثم مات السيد وقد قبض التسعة:

وسئل عن رجل استأجر مدبرا سنة لخدمة بتسعة دنانير، ثم مات السيد وقد قبض التسعة فاستهلكها وليس له مال غير المدبر ولم يستوف المؤاجر من خدمة العبد شيئا.
قال: تقسم التسعة على قيمة المدبر، فإن كانت قيمته ثلاثين دينارا فإن الثلث الذي كان يصير للعتق قد صار عليه من الدين ثلثه، وذلك ثلاثة دنانير، فيباع منه بثلاثة دنانير، ويعتق منه بقية الثلث وهو سبعة دنانير، فيكون ثلثا الخدمة للمستأجر، وثلثها بين العبد وبين الذي اشترى منه بثلاثة دنانير، فإذا تمت السنة رجع العبد إلى الورثة فقال لهم: أكملوا لي ثلث الميت لجمع ثلثيه وهو عشرون دينارا، وما صار إلى العبد وهو سبعة دنانير فجملة سبعة وعشرون، فيعتق ذلك من ثلث الميت وهو تسعة دنانير، فيزداد العبد دينارين فيكون للعبد في نفسه تسعة دنانير، وللورثة ثمانية عشرة دينارا فإن كانت الإجارة مثل الرقبة سواء فأرى أن لا يباع منه شيء، وأن تمضي الإجارة كلها؛ لأن الإجارة محيطة برقبته، فإذا انقضت السنة عتق ثلثه ورق ثلثاه.
قلت: فلو كان على السيد دين لأجنبي خمسة دنانير والمسألة على حالها وقد مات السيد ولا مال له ولم يستوف المؤاجر من أجرته شيئا؟ قال: تفض للعشرة التي أوجر بها العبد على ما يعتق من العبد وعلى ما يرق منه، فيصير على الثلث العتيق منه ثلاثة دنانير وثلث وتكون الخمسة التي هي للأجنبي في الثلث الذي يعتق منه؛ لأن ثلثي الورثة لا سبيل لصاحب الدين عليه؛ لأن المستأجر أحق به، ودين الأجنبي أولى من عتق المدبر فيباع من ثلث العبد بثمانية دنانير وثلث، ثلاثة وثلث للمستأجر وخمسة للأجنبي، ويعتق باقي ثلثه، فهو ديناران إلا ثلث، فإذا انقضت خدمة المستأجر ودفع ثلثي العبد إلى الورثة، رجع عليهم العبد فقال لي ثلث سيدي وقد ترك اثنين وعشرين دينارا إلا ثلثا وإنما أعتق مني دينارين إلا ثلثا، فيعتق منه ثلث الاثنين وعشرين دينارا إلا ثلثا.
قلت فلو كان دين الأجنبي خمسة عشر دينارا؟ فقال: أرى دين الأجنبي قد استغرق ثلث العبد، فلا أرى أن يعتق منه شيء، ويكون صاحب الإجارة أولى به، فإذا انقضت الإجارة بيع نصفه للدين بخمسة عشر دينارا وعتق منه ثلث ما بقي، وهو سدسه.
قلت وكذلك لو كان دين الأجنبي ثلاثين دينارا لم يعتق منه شيء وكان صاحب الإجارة أولى به إلى موتها ثم يباع كله للدين؟ قال: نعم.
قلت فلو كان دين الأجنبي سبعة دنانير والمسألة على حالها؟ قال: فلا يعتق منه شيء، وصاحب الخدمة أولى به كما فسرت ذلك، فانظر فإن كان إذا بعت بدين الأجنبي وما يصير على الثلث من الإجارة وتفضل منه فضلة تعتق منه فإنه يباع، وإن كان لا تفضل منه فضلة يعتق منها لم يبع منه شيء، وكان صاحب الخدمة أولى به، وكذلك لو كانت الإجارة تغترقه كله وليس على السيد غيرها لم يبع منه شيء، ومضى في خدمته حتى تنقضي إجارته ثم يعتق ثلثه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة جيدة صحيحة في المعنى بينة أدخلها ابن حبيب في الواضحة على نصها إلى قوله: فإذا انقضت السنة عتق ثلثه ورق ثلثاه، ولم يسم سحنونا فقال: وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول، وزاد على ذلك قال: ولو كان للميت مال سواه انفسخت الإجارة وردت الدنانير من مال الميت وعتق في ثلث ما بقي، وهكذا قال ابن حبيب إذا كان ثلث ما بقي من مال الميت بعد الإجارة يحمل جميعه؛ لأن عتقه إذا وجب في الثلث وجب أن تفسخ الإجارة فيه.
وأما لو كان ما ترك الميت من المال لا يحمل ثلثه بعد الإجارة جميع رقبته، مثل أن تكون قيمة المدبر أربعين فمات سيده وقد قبض في إجارته تسعة فاستهلكها وله سوى المدبر عشرون لوجب يجب للزوج من المدبرة يقسم بين الأخ والمدبرة، فيعتق نصفه ويكون للأخ نصفه، فيكمل لها عتقها نصف لا يصح؛ لأن جميع الشركة فيها مائتا دينار، قيمة المدبرة منها خمسون دينارا ومائة وخمسون دينا على الزوج فالواجب للمدبرة على هذا التنزيل جميع قيمتها، وذلك خمسون دينارا وللأخ مما على الزوج خمسة وسبعون دينارا، وللزوج خمسة وسبعون مما عليه، وإنما الذي يصح أن يقسم الثلث الذي يصير للزوج من المدبرة من الأخ والمدبرة على قدر ما بقي أنهما من حقوقهما، فالذي بقي للمدبرة من حقها في هذه المسألة ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار؛ إذ قد أعتق منها ثلثها بستة عشر وثلثين، والذي بقي للأخ من حقه ثمانية وخمسون وثلث، فعلى هذه التجزئة يتخلص الآخر والمدبرة في الثلث الذي يصير للزوج يضرب الأخ فيه بثمانية وخمسين وثلث، وتضرب المدبرة فيه بثلاثة وثلاثين وثلث، فما حصل للمدبرة في المحاصة من الثلث المذكور كان عتيقا مضافا إلى الثلث المعتق منها. وما حصل للأخ في المحاصة كان رقيقا له مضافا إلى الثلث الذي رق له أولا فكلما أفاد الزوج مالا اقتسم الأخ والمدبرة ما أفاد من المال على قدر ما بقي لهما من حقوقهما أيضا على هذا التمثيل، فما صار للأخ كان له، وما صار للمدبرة عتق منها بقدر ذلك حتى يستتم عتق جميعها ويستوفي الأخ تمام الخمسة والسبعين حقه الواجب له قبل الزوج، وإنما يصح أن يقسم الثلث الحاصل للزوج بين الأخ والمدبرة بنصفين لو كان الدين الذي على الزوج مائة دينار وقيمة المدبرة خمسون دينارا ولا مال للمتوفاة غير ذلك؛ لأن الشركة حينئذ يتساوى فيه الأخ والمدبرة والزوج فيكون للمدبرة خمسون جميع قيمتها، وللأخ خمسون، وللزوج مما عليه خمسون، فتيساوى الأخ والمدبرة فيما لهما على الزوج، فيقتسمان على هذا الترتيب الحاصل للزوج على نصفين؛ لأن الذي يبقى للمدبرة من حقها مثل الذي يبقى للأخ، والذي يبقى لكل واحد منهما ثلاثة وثلاثون وثلث؛ لأن حق كل واحد منهما كان خمسون دينارا فيقبض الأخ من حقه ثلث المدبرة بستة عشرة دينارا وثلثي دينار وقبضت المرأة المدبرة من حقها ثلث قيمتها بستة عشر وثلثين أيضا، فيكمل للمدبرة عتق نصف نصيبها، ويكون للأخ نصف المدبرة رقيقا، فكلما أفاد الزوج مالا اقتسماه بينهما بنصفين أيضا؛ لأن الذي يبقى لهما من حقوقهما أبدا متساوي على هذا التنزيل حتى يكمل عتق المدبرة ويستوفي جميع حقه الخمسين، ويبقى للزوج مما عليه خمسون دينارا.
وكذلك ذكر ابن سحنون هذه المسألة عن أبيه على هذا التنزيل أن الدين الذي على الزوج مائة دينار، وأن قيمة المدبرة خمسون دينارا، وهذه الرواية تبين أن ما وقع لسحنون في هذه النوازل وما روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم من قسمة الثلث الذي يجب للزوج بين المدبرة والأخ نصفين مع أن يكون الدين الذي على الزوج مائة وخمسون دينارا وقيمة المدبرة خمسون دينارا غلط والله أعلم لأن من قول مالك وجميع أصحابه: أن الغريم إذا كان عليه دين لرجلين لأحدهما عشرة وللآخر عشرون فتقاضيا منه شيئا أن ما تقاضياه منه يتحاصان فيه على قدر ما لهما عليه، ثم ينظر في هذه المسألة على ما صححنا من التنزيل، وهو أن يكون الدين الذي على الزوج مائة دينار إلى ما يجب للمدبرة على الزوج من حقها، فيباع بعرض ويعجل لها العتق على ما روى موسى عن ابن القاسم والذي يبقى لها من حقها عليه خمسة وعشرون دينارا؛ لأن جميع حقها كان خمسين دينارا، فقبضت ثلثها أولا ستة عشر وثلثين، ثم قبضت نصف الثلث بثمانية وثلث، فاستكملت نصف حقها وبقي لها النصف على الزوج، وكذلك ينبغي إذا قررنا أن الدين الذي على الزوج مائة وخمسون، وقيمة المدبرة خمسون على ما في الرواية أن ينظر إلى ما بقي لها من جميع قيمتها الخمسين بعد عتق ثلث قيمتها بستة عشر وثلثين، وبعد عتق ما يجب لها من الثلث الواجب للزوج على ما رتبناه، فيطرح ذلك من الخمسين فما فضل فهو الذي يجب للمدبرة على الزوج، وهو الذي يباع على ما روى موسى بن معاوية.
وأما قوله في رواية موسى ثم ينظر إلى ما يصيب الخادم من ذلك وهو نصف خمسين ومائة، فيباع فلا يصح عندي بوجه، وقوله: إن الأخ إن باع المدبرة أي ما صار له منها ثم أفاد الزوج إلى زمان بعد ذلك مالا أنها ترجع فيعتق منها بقدر ذلك، أي بقدر ما يجب لها مما أفاد حتى تستتم رقبتها هو مثل ما تقدم من قوله في أول مسألة من هذه النوازل، ومثل قول عيسى ابن دينار في رسم جاع من سماع عيسى.
وما عليه الجماعة خلاف قول ابن القاسم فيه أن تقسم التسعة على ما يجب عتقه من المدبر وعلى جميع بقيته المال، فالذي يجب عتقه من المدبر نصفه بعشرين؛ لأن جميع المال ستون، فثلثه عشرون، وقيمة المدبر أربعون، فيباع من نصف المدبر ثلاثة، ويعتق ما بقي من نصفه وهو سبعة عشر.
قال ابن حبيب أيضا: وهذا التفسير على أن المستأجر علم أنه مدبر، فأما لو جهل تدبيره واستأجره على أنه عبد فلما مات سيده ثبت أنه مدبر ولا مال له سواه، وفيه فضل عما استؤجر به كما فسرنا في أول المسألة لانفسخت الإجارة، ثم بيع منه معجلا لما استؤجر به؛ لأنه دين على السيد، ثم يعتق منه ما فضل منه، ويرق ثلثاه،. وهذا الذي قاله ابن حبيب صحيح، ومعناه إذا لم يرض المستأجر بذلك وأراد رده لأن ذلك عيب دخل عليه فيما استأجره من خدمة المدبر لانفساخ بعضها بما ثبت من التدبير الذي لم يعلم به.
وأما لو رضي المستأجر بالتمسك ببقية إجارته لجاز ذلك، وكان بمنزلة إذا استأجره وهو يعلم أنه مدبر.
والأصل في هذه المسألة أن ما وجب من عتق المدبر فلابد أن تنفسخ فيه الإجارة إن وجب عتقه كله في ثلث مال الميت انفسخت الإجارة في جميعه وردت إلى المستأجر الإجارة من مال الميت، وإن وجب عتق ثلثه انفسخت الإجارة في ثلثه فبيع من الثلث الذي وجب عتقه بثلث الإجارة وأعتق الباقي من ذلك، فإذا انقضت الإجارة رجع المدبر على الورثة فأعتق منه بقية الثلث وهو ثلثا ما بيع منه، وكذلك إن وجب عتق نصفه أو ثلثيه في ثلث الميت فبيع منه بنصف الإجارة أو بثلثيها وأعتق الباقي، فإذا انقضت الإجارة رجع على الورثة فأعتق منه بقية الثلث وهو ثلثا ما بيع منه في الإجارة وإن لم يجب عتق شيء منه مثل أن تكون الإجارة تستغرق جميعه أو لا يستغرق جميعه وعلى الميت من الدين ما يستغرق جميعه، فالإجارة باقية لا تنفسخ، وهي مقدمة على الدين إن كان على الميت دين لأن الإجارة في عين العبد والدين في ذمة الميت إذا انقضت الإجارة بيع في الدين.
وإنما قال: إذا لم يكن له مال غير المدبر إنه يباع من ثلثه بثلث الإجارة وبجميع الدين ثم يعتق ما بقي من أجل ما بيناه من أن الإجارة مبدأة على الدين، والدين مبدأ على العتق، فوجب من أجل ذلك أن يباع من ثلث المدبر بجميع الدين وبثلث الإجارة، فإذا استوفى المستأجر خدمته ورجع ثلثا المدبر إلى الورثة رجع عليهم المدبر فيه فاستوفى منه ما بقي من حقه في العتق وهو ثلثا ما بيع منه في الدين لأنه بيع منه بجميع الدين من أجل أنه يبدأ على العتق ولا يجب عليه من الدين إلا ثلثه وثلثا ما بيع منه في الإجارة أيضا، وبالله التوفيق.

.مسألة باع مدبرة من رجل فزوجها المشتري من عبده:

وسئل عن رجل باع مدبرة من رجل فزوجها المشتري من عبده وأولدها العبد جارية ثم أعتق المشتري الأمة وبقي ولدها.
قال: يمضي عتقها ويكون ولدها رقيقا للمبتاع، وقاله عبد الله بن نافع.
قال محمد بن رشد: رأيت لأبي إسحاق التونسي أنه قال في هذه المسألة: قوله ويكون ولدها رقيقا للمبتاع كلام فيه نظر، إلا أن يريد بقوله: يرق أن يكون مدبرا كأمه؛ لأن ولدها من زوج إنما يجب أن يكون كأمه، وهي مدبرة فيجب أن يكون ولدها مدبرا.
فإن قيل لما أعتقها بطل تدبيرها، فكان ولدها رقيقا للمشتري، قيل: لو لزم هذا في المشتري للزم في المدبرة إذا ولدت فأعتقها المدبر أو ماتت أن يكون ولدها رقيقا؛ لأن موتها أو عتقها يبطل تدبيرها، وهذا بعيد، بل ولدها على ما كانت عليه أعتقت أو ماتت أو بقيت.
هذا نص قوله، واعتراضه صحيح، وإذا وجب أن يكون الولد مدبرا على ما قاله فيرد إلى البائع بما ينويه من الثمن إذا فض على قيمتها يوم البيع وعلى قيمة الولد يوم أعتق الأم، وهذا على القول الذي رجع إليه مالك من أن المدبر إذا أعتقه المشتري لا يرد عتقه، وأما على قوله الأول فينقض العتق وترد الأمة وولدها إلى البائع ويرد عليه جميع الثمن.

.مسألة جهل فوطئ مدبرة امرأته فحملت:

وسئل المغيرة عن رجل جهل فوطئ مدبرة امرأته فحملت، فلم تزل المرأة مقرة بإذنها له حتى ماتت.
قال المغيرة أرى إن كان لها وفاء بعتق المدبرة فيه عتقت في ثلثها، ولم أنتظر الذي وطئ بالخطأ أن تكون له أم ولد، وأرى ولدها عليه بالقيمة، وأرى القيمة لورثة سيدتها أو الدين إن كان عليها دين.
قال محمد بن رشد: إذنها له بوطئها شبهة تسقط عنه الحد وتوجب لحوق الولد به، ولم ير ذلك بمنزلة من اشترى مدبرة فوطئها فحملت في أن تكون أم ولد له وينفسخ التدبير من أجل أنه وطء فاسد وإن كانت القيمة تلزمه به لو كانت أمة، وهو معنى قوله: ولم أنتظر الذي وطئ بالخطأ أي بالخطيئة أن تكون له أم ولد، ولم يتكلم إذا لم يكن له وفاء تعتق فيه فأعتق بعضها أو كان عليها دين يغترق قيمتها.
فأما إذا لم يكن لها وفاء تعتق به فأعتق بعضها فيلزمه على قياس قوله من قيمتها لورثة سيدتها بقدر ما رق منها، ويكون ما رق منها رقيقا له بما لزمه من قيمته، ويلزمه من قيمة ولدها لورثة سيدتها بقدر ما رق منها.
وأما إذا كان عليها دين يغترقها فيلزمه قيمتها يوم وطئها ولا يكون عليه شيء من قيمة ولده منها، وبالله التوفيق.

.مسألة تموت عن مدبرة:

من سماع موسى بن معاوية من ابن القاسم قال موسى: قال ابن القاسم في المرأة تموت عن مدبرة ووارثها زوج وأخ ولم تترك مالا غيرها إلا مهرا على زوجها، وذلك المهر خمسون ومائة دينار، والزوج معدم وقيمتها خمسون دينارا فإنه يعتق منها ثلثها وهو ثلث خمسين، وذلك قيمتها، ويكون الثلث لزوجها والثلث لأخيها، ثم ينظر إلى الثلث الذي صار لزوجها فتأخذه الجارية والأخ فيقسمانه بينهما بنصفين؛ لأن الذي بقي لهما على الزوج سواء فيما لهما عليه، ثم ينظر إلى ما بقي على الزوج من الدين فيكون بين الجارية والأخ بعد سهم الزوج، ويقال للأخ: إن أحببت أن تبيع نصيبك فبعه، وإلا فأبيعه دينا، ثم ينظر إلى الذي يصيب الخادم من ذلك وهو نصف خمسين ومائة، فيباع بعرض ويتعجل ويدفع ذلك إلى الأخ، ويعتق من الجارية بقدر ما خرج لها من ذلك، وهو أحب إلي من أن يؤجل ذلك على الزوج وينتظر به يسره؛ لأن الأخ يموت فيورث نصيبه ويباع ويدخله المواريث ويفلس ويعجل لها عتق حتى لا يبقى لها حق على الزوج إلا أدخل فيها، ولا يستأني به فيباع ذلك الشقص منها ثم يتقاصا يوما ما فعل من يعتق إذا خرجت من يد الأخ فقد فسرت ذلك وجه الذي أرى.
وإن كان الزوج غائبا بعيد الغيبة بموضع لا يعرف فيه حاله ولا ماله لم يبع للجارية شيء مما عليه حتى يكون بموضع يجوز بيع ما عليه لها، فيكون على ما فسرت لك، وذلك بموضع يعرف فيه ملؤه من عدمه.
قال محمد بن رشد: إنما يكون ما قال من أن يعتق من المدبرة ثلثها، ويكون الثلث الذي للزوج بينها وبين الأخ إلى آخر قوله إذا لم يجيزا الوصية وقطعا للمدبرة بثلث جميع المال.
وقوله: ثم ينظر إلى الثلث الذي صار لزوجها فتأخذه الجارية والأخ فيقتسمانه بينهما بنصفين لأن الذي بقي لهما على الزوج سواء فيما لهما عليه، لا يصح إلا إذا كان الدين الذي على الزوج مائة وقيمة المدبرة خمسين، ولا مال للمرأة سوى ذلك، وقد مضى بيان ذلك في نوازل سحنون فلا معنى لإعادته.
وإجازة سحنون وابن القاسم في هذه الرواية بيع ما على الزوج من الدين إذا كان قريب الغيبة بموضع يعرف فيه ملؤه من عدمه خلاف المعروف من قوله في المدونة وغيرها: إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون حاضرا مقرا، وقال في السلم الثاني من المدونة في اشتراء الكفيل ما على المتكفل به: إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون حاضرا ولم يقل مقرا، فقيل: معناه مقرا، وقيل: هو خلاف من قول ابن القاسم في إجازة شراء الدين إن كان الذي عليه حاضرا وإن لم يكن مقرا، وقيل: إن ذلك ليس اختلافا من قوله وإنما فرق بين المسألتين، ولأصبغ في نوازله من جامع البيوع مثل قول ابن القاسم ها هنا، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك مستوفى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة دبّر عبدا له في صحته فلما مرض قال قد كنت أعتقت فلانا:

قال ابن القاسم في رجل دبّر عبدا له في صحته، فلما مرض قال: قد كنت أعتقت فلانا لغلام له آخر.
قال: يعتق المدبر وتكون قيمة الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة في جملة المال للمدبر يعتق بها، ولا يعتق الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة إلا أن تقوم بينة أو يقول أعتقوه، فإن قال ذلك عتق في الثلث بعد التدبير.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بيّنة صحيحة في المعنى على أصولهم، وإنما قال: إن المدبر يعتق وتكون قيمة الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة في جملة المال للمدبر يعتق بها لأنه يهتم على أنه أراد إبطال التدبير بما أقر به من أنه أعتق عبده الآخر في صحته، فوجب أن يدخل فيه، بخلاف الوصايا لا اختلاف في أن الوصايا لا تدخل في الذي أقر أنه كان أعتقه في صحته.
وقوله: إنه لا يعتق الذي ذكر أنه أعتقه في الصحة إلا أن تقوم له بينة هو نص ما في المدونة وغيرها، ويتخرج في ذلك قول آخر أنه يعتق في الثلث بعد المدبر وإن لم يقل أعتقوه، وأما إن قال: أعتقوه فلا اختلاف في أنه يعتق في الثلث بعد المدبر، ولا يدخل في هذه المسألة الاختلاف الذي ذكرناه في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب الوصايا في الذي يقول في مرضه: قد كنت أعتقت عبدي في صحتي؛ لأنه يتهم مع المدبر كما يتهم مع الورثة إذا كان ورثته كلالة، وبالله التوفيق..مسألة المدبر يباع فيفوت ببيعه فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه:

من سماع أصبغ.

.مسألة من كتاب المدبر:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في المدبر يباع فيفوت ببيعه فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه.
قال: أرى أن يجعل ثمنه كله الذي باعه به في مدبر، وليس ذلك بمنزلة فواته بالعتق والموت، هذا تكون له قيمته على الرجاء والخوف في الموت خاصة إذا مات فيصنع بها السيد ما شاء ويجعل الفضل في مدبر أو يعين به في عتق إن لم يبلغ تدبيرا، وفواته بالعتق ليس عليه قليل ولا كثير، يصنع بجميع الثمن ما شاء؛ لأنه قد صار إلى خير مما كان فيه ومما يرد إليه، وقاله أصبغ، وذلك في الذي قد عمي أمره لا يدرى ما حاله؟ حياة أو موت أو عتق احتياطا عليه، وليس بالواجب عليه عندي ولا القياس والقياس أنه إذا استبرئ أمره وآيس منه إياسا منقطعا فهو بمنزلة الموت ولا يكون الموت أحسن حالا وإنما هو بين أمرين عتق أو موت، فالعتق ليس فيه شيء، والموت له فيه القيمة على التدبير، فهو مثله لأنه أوكد الوجهين كامرأة المفقود حين عمي أمره أنزل أمرها في عمايته في عدتها بمنزلة الموت فاعتدت عدة وفاة ولم تعتد عدة فرقة.
قال محمد بن رشد: قوله في المدبر يباع فلا يدرى أين وقع ولا ما صار إليه إنما يجعل ثمنه كله الذي باعه به في مدبر بخلاف فواته بالعتق أو الموت صحيح بين في المعنى لأنه يخشى أن يكون حيا لم يمت ولا أعتق، فوجب نقض البيع فيه ورده إلى سيده على ما كان عليه من التدبير، فلما لم يكن ذلك وجب أن يجعل جميع الثمن في مدبر مثله.
فقول أصبغ: إن القياس إذا عمي أمره أن ينزل بمنزلة الموت ولا يكون أحسن حالا منه غلط بين، وكذلك قال محمد بن المواز: قوله غلط، قال: وقد طلب عمر رد المدبرة التي باعت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فلما لم يجدها أخذ الثمن فجعله في مكانها.
وتفرقة ابن القاسم بين الموت والعتق هو نص قوله في المدونة، وعلمه في العتق أنه قد صار إلى خير مما كان فيه ومما يرد إليه ليس بعلة بينة في أنه يسوغ له جميع الثمن ولا يلزمه أن يتمخى منه شيئا لأنه وإن كان أعتق فإنما أعتقه المشتري وثواب عتقه له، فالقياس أن يلزمه أن يتمخى مما قبض زائدا على قيمته على الرجاء والخوف كما يفعل في الموت، وقد قال أبو إسحاق التونسي: القياس أن يكون لسيده البائع ثمنه كله إذا عند المشتري، كما يكون له جميع ثمنه إذا أعتقه المشتري؛ لأن التدبير يبطل بموته عند المشتري كما يبطل بعتقه أيضا، ولو أمكن أن يعلم أن المدبر يموت قبل سيده لجوزنا بيعه؛ إذ العتق إنما يجب له بعد موت سيده من الثلث، هذا معنى قول أبي إسحاق، قال وقد كان القياس أن يشتري بالثمن كله مدبرا مكان الأول فيكون له منه خدمته حياته كما كان له من الأول؛ لأنه إذا أخذ من ثمن الأول قيمته على الرجاء والخوف ناجزا وخدمه المدبر الذي يشترى بالفضل حياته فقد حصل له أكثر مما كان له في الأول إذ لم يكن له فيه سوى خدمته حياته، هذا معنى قول أبي إسحاق دون لفظه.
وهذا الذي قاله هو قول ابن كنانة في المدنية، قيل له: ما تقول في الذي يبيع المدبر فيموت بعتق أو غيره؟ قال: يؤمر أن يمخي من ثمنه، قال عيسى: قال ابن القاسم: هو له حلال يصنع به ما شاء، ورواية عيسى عن ابن القاسم هذه في المدنية أن الثمن له حلال في الموت والعتق يصنع به ما شاء، هو الذي ذهب إليه أبو إسحاق من أنه لا فرق بين الموت والعتق لبطلان التدبير في الوجهين جميعا، والذي اخترت أنا وبينت وجهه أنه يجب عليه أن يتمخى من الزائد على قيمته على الرجاء والخوف فيجعله في مدبر. فيتحصل على هذا في المسألة أربعة أقوال، أحدها: أنه لا يجب عليه أن يتمخى من شيء من ثمنه في الوجهين جميعا، والثاني: أنه يجب عليه أن يتمخى من جميع ثمنه في الوجهين جميعا، والثالث: أنه يجب عليه أن يتمخى مما زاد على قيمته على الرجاء والخوف جميعا، والرابع: الفرق بين الموت والعتق، ورواية ابن كنانة عن ابن القاسم في المدنية نحو قول ابن نافع، واختيار محمد بن خالد في سماعه من كتاب الولاء على ما حمله عليه بعض أهل النظر، وهو صحيح على ما ذكرناه هنالك، وبالله التوفيق.